العلاقة بين الطبيب والمريض..كيف يجب ان تكون؟ د. جسام 

 

يمكن للأطباء ممارسة الطب في أي مكان بالعالم لأن الطب نفسه اينما كنا ولكن التحدي يكمن في  تعلم النظام الصحي المحلي وقواعده وأنظمته وتطبيقها ولذا فإن العقبة الرئيسية التي تواجه الاطباء الوافدين من خارج كندا هي كيفية الاندماج في نظام صحي مختلف وفهم وتطبيق قوانينه ولوائحه.

لا يقتصر موضوع الاندماج مع الانظمة والقوانين على الاطباء فقط بل على كل الذين جاءوا من اماكن مختلفة حاملين معهم عادات وتقاليد قد لا تتوافق مع القوانين والانطمة الكندية. 

من الشائع في بلادنا العربية وربما في جميع بلدان الشرق أن يعالج الاطباء اصدقاءهم وأقاربهم بل ويتخذوا من مرضاهم اصدقاء لهم وكذلك من الطبيعي رؤية طبيب ومريضه يتناولان الطعام معا في مطعم او كافتيريا  وربما حتى السفر معا للنزهة، علاوة على ذلك ، ليس من غير المألوف ان يتزوج طبيب من مريضته أو طبيبة من مريضها. 

إن الطبيب الذي يحاول في بلادنا وضع الحدود وتقييد العلاقة مع مرضاه أو يحاول أن يكون مهنيا ورسمي التصرف يبدو معقدا وغريب الأطوار ويُنظر إليه على أنه متكبر ومتغطرس. 

عندما بدأت بممارسة الطب في كندا ، شعرت بالراحة والسعادة بالعديد من القوانين التي تنظم عمل الاطباء منها القاعدة التي تمنع الأطباء من علاج أصدقائهم وأقاربهم وقد طبقتها بفرح وسعادة غامرة لإيماني المطلق بأهميتها وفائدتها للاطباء وللمرضى على حد سواء وكذلك التاكيد الدائم والمستمر على أن تبقى العلاقة بين الاطباء ومرضاهم علاقة مهنية ورسمية خالصة وأن يتم حصرها في داخل مكان عمل الطبيب وأن لا تتعدى خارج أسواره 

لم يكن الامر سهلا على المرضى في اول الامر وكانت المشكلة الرئيسية التي واجهتها هي في صعوبة تقبل الناس لهذه الطريقة والتي تبدو لهم غريبة وربما غير مقبولة. 

يعتقد المرضى بأن زياراتهم الطبية المتكررة لي ولكوني عربيا قد حولت علاقتنا المهنية الى علاقة صداقة حتى باتوا يعتقدون بأن لهم الاحقية والاولوية في كل شيء بل ويعتقدون بانني من الممكن ان اتجاوز اللوائح وربما القوانين لأجلهم وقد خلق هذاالكثير من المشاكل وذلك لصعوبة تفهمهم للحدود التي حاولت وضعها منذ اليوم الأول وقد حصلت الكثير من المواقف المؤلمة والمؤسفة والتي لم تكن نهاياتها سعيدة بأي شكل من الاشكال. 

يعاني الاطباء العرب كثيرا من عدم تفهم المرضى العرب لطبيعة العلاقة التي يجب ان تكون بينهم وبين اطباءهم حيث يحاول الاطباء جاهدين ان تكون العلاقة مهنية ورسمية بحتة بينما يحاول المرضى وبنية سليمة ان يأخذوها الى الطريق الاخر وهو طريق العلاقات الاجتماعية والشخصية والتي تكون بالنهاية على حساب العلاقة المهنية مما يعكر صفو العلاقة بينهما وبالتالي يؤثر ذلك على صحة المريض بطريقة أو بأخرى. 

إن من مصلحة المريض أن تكون العلاقة بينه وبين طبيبه علاقة رسمية خالصة لكي يقتصر تفكير وعمل الطبيب على الحالة المرضية فقط دون الانشغال بامور لا تخدم صحة المريض

 إن إعتقاد المريض بأن علاقته مع طبيبه ليست رسمية فقط يرفع من سقف توقعاته من الطبيب وحين تكون هذه التوقعات اكبرمن قدرة الطبيب وتعذر عليه القيام بها فإن ذلك سيصيب المريض بخيبة امل وإحباط كبيرين وسيلقي ذلك بظلاله على العلاقة بينهما مما ينعكس سلبيا على صحة المريض 

أنا أتفهم تماما النوايا الحسنة عند الغالبية العظمى من المرضى ولكن النوايا الحسنة قد لا تكون كافية في بعض الأحيان بل وربما ضارة .

شخصيا، اتمنى ان تكون الغالبية من المرضى اصدقاء لي لو سمح القانون، كما اتمنى ان تكون علاقتنا الاجتماعية عميقة وشاملة ولكن القوانين الكندية والتي تنظم علاقة الاطباء بمرضاهم  تمنعنا من ذلك لان القاعدة الموضوعة في هذا الشأن واضحة وصريحة وهي : "لا يمكن أن يكون صديقك مريضا عندك ولا يمكن أن يكون مريضك صديقا لك" ولذا فعلينا الالتزام بهذه القاعدة وتطبيقها حرفيا خدمة للطرفين 

 

د. جسام

مركز مدهيڤن الطبي -اوتاوا